المحسنات البديعية في قصيدة الكوليرا.. شرح وتحليل قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة

المحسنات البديعية في قصيدة الكوليرا عديدة ومذهلة؛ تلك القصيدة التي تعتبر منجم للمحسنات لمن أراد أن يفقهها ويرى عليها الأمثلة، فبجانب مهارة الشاعرة على الإبداع غير المعهود في وصف الألم بكلماتها الذي سببه مرض الكوليرا فهي أيضًا أبدعت في ترك كنز من تلك المحسنات، وعليه نشارك عبر موقع لحظات نيوز شرح وتحليل قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة.
المحسنات البديعية في قصيدة الكوليرا
في علم البلاغة يوجد ما يُعرف بالمحسنات البديعة التي تظهر جلية في الأبيات الشعرية على وجه التحديد، والتي تعد بمثابة الديكورات التي يضعها الشاعر في قصيدته لتُكسبها لمعانًا وبريقًا خاصًا، وهنا نشير إليها في قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة:
اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة نونية ابن زيدون
1- المُحسن البديعي “السجع”
السجع في قصيدة الكوليرا لا يسير على نفس الوتيرة في كافة الأبيات، بل إن نازك قررت أن يكون متنقلًا بين الانتهاء على السكون والضم على التوالي بمثل ما يلي:
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي
2- المُحسن البديعي “الجناس”
نوع الجناس في قصيدة الكوليرا ناقص؛ أي هناك نغمة موسيقية بين كلمتين ولكنهما غير متشابهين في عدد أحرفهما مثل؛ كلمتيّ عشرة وعشرونا في البيت التالي:عشرةُ أمواتٍ، عشرونا
اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة (لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب) وكلماتها
ما معنى قصيدة نازك الملائكة
عقب الاطلاع على بعض المحسنات البديعية الأساسية التي ضمتها قصيدة الكوليرا نتطرق إلى شرحها على النحو التالي:
سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تبدأ الشاعرة أبياتها بكلماتٍ مليئة بمشاعر الحزن الدفين على حال بلدٍ بعد أن هاجمها وأهلها داء الكوليرا، والتي تصف بيوتها بأنها صارت مليئة بالظلام والصمت القاتل، وبالرغم من ذلك فإن صرخات المكلومين مسموعة والحزن في قلوبهم يكويها، في كلٍ مكان في هذا البلد فقيد فالموت صار سيد الموقف.
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر، أصِخْ، انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ، عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى، مَوْتَى، ضاعَ العددُ
مَوْتَى، موتَى، لم يَبْقَ غَدُ
تستمر نازك الملائكة في وصف المشهد الأليم الذي طلع عليه الفجر ولم يزال فيه الأنين والألم حاضرين بسبب الموت الذي جنّ عليه الموت؛ خطوات الماشيين وحتى ركب الراكبين كافيين لشرح الألم الذي صار يسكن القلوب من موت أفرادٍ طالت عشرتهم.
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ، الموتُ، الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ
بعد أبيات أخرى تُنهي نازك قصيدتها بأن المشهد سيستمر؛ طفل فاقد أمه وأبيه وأنه حتمًا سيلقى نفس مصيرهما بأن الداء الشرير وهو الكوليرا سيطوله أيضًا، الأحزان التي تسبب فيها الموت ستستمر موجودة في أرجاء “مصر”؛ وبهذا يتضح عن أي البلدان التي أصابها الداء كانت تتحدث الشاعرة.
إن عالم الشعر له جمهوره الخاص الذي قرر الولوج إلى بوابة الأدب مُختارًا إياه، وكيف لا وقد انطلقت مجموعة من الشعراء خاصةً في نطاق المجتمع العربي يضخّون مواهبهم الفذة في هذا المجال ويتركون أعمالًا مبهرةً على جميع الأصعدة، ومنها قصيدة الكوليرا للمبدعة نازك الملائكة.
تحليل موفق .