تواجه الأوساط العلمية تحديات كبيرة في استكشاف المحيطات الخفية تحت الأقمار الجليدية مثل “أوروبا” التابعة للمشتري و”إنسيلادوس” التابعة لزحل، حيث تعتبر أدوات الحفر التقليدية غير كافية بسبب حجمها الضخم واحتياجاتها العالية من الطاقة، ولذا تأتي الابتكارات الحالية لتغيير هذا الواقع والارتقاء بمستوى الأبحاث حول هذه العوالم البعيدة.
طور فريق من جامعة درسدن التقنية في ألمانيا جهاز مثقاب يعمل بالليزر، وهو ابتكار جديد يمكن أن يمثل نقلة نوعية في مجال استكشاف الجليد، يعتمد الجهاز على الحد الأدنى من الكتلة واحتياجات الطاقة لحفر قنوات دقيقة في الجليد السميك، مما يفتح آفاقًا جديدة واستراتيجية لدراسة الطبقات تحت السطحية في الأقمار الجليدية، ويعتبر خطوة مهمة في رحلة استكشاف الفضاء.
توضح الدراسة المنشورة في دورية Acta Astronautica أن المثقاب يستخدم ليزرًا عالي القدرة لتبخير الجليد، وتعمل آلية الجهاز من خلال إبقاء جميع مكوناته على سطح الجليد، مما يتيح له تجنب استخدام القضبان الطويلة والأسلاك الثقيلة اللازمة للأدوات التقليدية، وبالتالي يزيد من كفاءة العملية، ويجعلها أقل تعقيدًا.
يقوم الجهاز بحفر قنوات ضيقة تدريجيًا عبر تبخير كميات صغيرة من الجليد، حيث ترتفع الغازات الناتجة إلى الأعلى لتتمكن الفرق من جمعها وتحليل تركيبها الكيميائي، ووفقًا للباحث مارتن كوسّاك، يتيح النظام “الوصول العميق بكفاءة عالية في استهلاك الطاقة، دون زيادة في كتلة المعدات”.
يمتاز هذا المثقاب بمزايا عدة، حيث إنه يستخدم طاقة أقل بكثير مقارنة بالمجسات الحرارية التقليدية، إضافة إلى أن شعاع الليزر يقطع الجليد المصاب بالأتربة بسرعة تفوق الحفر الحراري، مما يمكّن من استكشاف أعماق أكبر دون الحاجة لاستخدام طاقة إضافية، ويؤكد كوساك أن هذا الابتكار يجعل دراسة الطبقات الجوفية للأقمار الجليدية أكثر واقعية وينذر بمستقبل واعد لاستكشاف القمر ومريخ أيضًا.
أخيرًا، أظهرت التجارب الميدانية والمخبرية أن النموذج الأولي استطاع اختراق أكثر من متر واحد من الجليد، مما يعتبر خطوة واعدة نحو استخدام هذه التقنية في المهمات الفضائية الناجحة المستقبلية، مما يجعل الآمال مرتفعة بشأن ما يمكن اكتشافه في العوالم الجليدية.